صحيح السيرة النبوية 7
اسلامي اون لاين :: الفئة الاولي :: الكتب
صفحة 1 من اصل 1
صحيح السيرة النبوية 7
وذكر ابن إسحاق ما كانت قريش ابتدعوه في تسميتهم الحمس، وهو الشدة في الدين والصلابة.
وذلك لأنهم عظموا الحرم تعظيماً زائداً؛ بحيث التزموا بسببه أن لا يخرجوا منه ليلة عرفة، وكانوا يقولون: نحن أبناء الحرم، وقطان بيت الله. فكانوا لا يقفون بعرفات. مع علمهم أنها من مشاعر إبراهيم عليه السلام – حتى لا يخرجوا عن نظام ما كانوا قرروه من البدعة الفاسدة، وكانوا يمنعون الجيج والعمّار – ما داموا محرمين – أن يأكلوا إلا من طعام قريش، ولا يطوفوا إلا في ثياب قريش، فإن لم يجد أحد منهم ثوب أحد من الحمس؛ طاف عرياناً ولو كانت امرأة، ولهذا كانت المرأة إذا اتفق طوافها لذلك؛ وضعت يدها على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
قال ابن إسحاق: فكانوا كذلك حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه القرآن رداً عليهم فيما ابتدعوه، فقال: ﴿ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس﴾؛ أي: جمهور العرب من عرفات، ﴿واستغفروا الله إن الله غفور رحيم﴾[البقرة:199].
وقد قدمنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف بعرفات قبل أن ينزل عليه؛ توفيقاً من الله له.
وأنزل الله عليه ردّا عليهم فيما كانوا حرموا من اللباس والطعام على الناس ﴿يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾ الآية [الأعراف:31و32].
[المستدرك]
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول : من يعيرني تطوافاً؟ تجعله على فرجها، وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله
فنزلت هذه الآية : ﴿خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ [الأعراف: 31].
رواه مسلم (8/243-244).
وقال عروة:
كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحمس – والحُمس : قريش وما ولدت – وكانت الحمس يحتسبون على الناس؛ يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها، وتعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها، فمن لم تعطه الحمس طاف بالبيت عرياناً.
وكان يفيض جماعة الناس من (عرفات)، وتفيض الحمس من (جمع).
وعن عائشة رضي الله عنها:
أن هذه الآية نزلت في الحمس (وفي رواية: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ) ، وكانوا يسمون الحمس، وكان سائر العرب يقفون بـ(عرفات)، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي (عرفات) ثم يقف بها، ثم يفيض منها، فذلك قوله تعالى ): ﴿ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس﴾ [البقرة: 199]، قال: كانوا يقيضون من (جمع) ، فدفعوا إلى (عرفات).
رواه البخاري بهذا التمام (818 – مختصره) ومسلم (4/43) بحديث عائشة: [انتهى المستدرك].
كتاب مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً
وذكر شيء من البشارات بذلك
وذكر شيء من البشارات بذلك
قال محمد بن إسحاق رحمه الله تعالى :
وكانت الأحبار من اليهود ، والرهبان من النصارى، والكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب زمانه.
أما الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى؛ فمما وجدوا في كتبهم من صفته، وصفة زمانه، وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه، قال الله تعالى :
﴿الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ﴾ [الأعراف: 157].
وقال الله تعالى :
﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 29].
وقال الله تعالى :
﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾[آل عمران: 81]
وفي ((صحيح البخاري)) عن ابن عباس قال:
((ما بعث الله نبياً إذا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه)).
يعلم من هذا أن جميع الأنبياء بشرو به وأمروا باتباعه.
وقد قال إبراهيم عليه السلام فيما دعا به لأهل مكة :﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 129].
وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة قال:
قلت: يا رسول الله! ما كان بدء أمرك؟ قال:
((دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأيت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام)).
ورواه محمد بن إسحاق من طريق أخرى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه مثله.
ومعنى هذا أنه أراد بدء أمره بين الناس واشتهار ذكره وانتشاره، فذكر دعوة إبراهيم اذي تنسب إليه العرب، ثم بشرى عيسى الذي هو خاتم أنبياء بني إسرائيل. يدل هذا على أن من بينهما بشروا به أيضاً.
وفيه بشارة لأهل محلتنا أرض بصرى، وانها أول بقعة من أرض الشام خلص إليها نور النبوة، ولله الحمد والمنة.
ولهذا كانت أول مدينة فتحت من أرض الشام، وكان فتحها صلحاً في خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
أما في الملأ الأعلى قد كان أمره مشهوراً مذكوراً معلوماً من قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام؛ كما فيما روى أحمد بسنده عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إني عند الله خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت ... )).
وروى الإمام أحمد أيضاً عن ميسرة الفجرة قال:
قلت: يا رسول الله! متى كنت نبياً؟ قال:
((وآدم بين الروح والجسد)).
إسناده جيد.
وقد رواه ابن شاهين في ((دلائل النبوة)) من حديث أبي هريرة قال:
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى وجبت لك النبوة؟ قال:
((بين خلق آدم ونفخ الروح فيه )).
وفي رواية:
((وآدم منجدل في طينته)).
وروى من حديث ابن عباس:
قيل: يا رسول الله! متى كنت نبياً؟ قال:
((وآدم بين الروح والجسد)).
وأما الكهان من العرب ؛ فأتتهم به الشياطين من الجن مما تسترق من السمع، إذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم، وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره، ولا يلقي العرب لذلك فيه بالاً حتى بعثه الله تعالى ، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها.
فما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر زمان بعثه؛ حُجبت الشياطين عن السمع، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها، فرموا بالنجوم، فعرفت الشياطين أن ذلك لأمر حدث من أمر الله عز وجل.
قال[ابن إسحاق]:
وفي ذلك أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً. يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نُشرك بربنا أحداً﴾ [الجن: 1و2] إلى آخر السورة.
وقد ذكرنا تفسير ذلك كله في كتابنا ((التفسير))، وكذلك قوله تعالى : ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ . قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إلى الْحَقِّ وَإلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الأحقاف: 29و30] الآيات. ذكرنا تفسير ذلك كله هناك.
مواضيع مماثلة
» صحيح السيرة النبوية 11
» صحيح السيرة النبوية 12
» صحيح السيرة النبوية 13
» صحيح السيرة النبوية 14
» صحيح السيرة النبوية 15
» صحيح السيرة النبوية 12
» صحيح السيرة النبوية 13
» صحيح السيرة النبوية 14
» صحيح السيرة النبوية 15
اسلامي اون لاين :: الفئة الاولي :: الكتب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى